في أسلوب حصر بلاغي يحدد الإسلام في كتابه الكريم وظيفة الرسول على أنه رحمة لكل العالمين..
- لقد خاطب الله نبيه محمدًا u بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاََّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وبقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاََّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].
- فعلى المسلمين مهما كانت أجناسهم أو أوطانهم أن ينتبهوا إلى أنهم حملة الراية بعد أستاذهم ومعلمهم محمد u، وعليهم أن ينتبهوا إلى أن الأمانة التي ائتمنهم الله عليها، وهي (البلاغ للناس) (بالقرآن)ز
إنما هي نور للناس جميعًا إذا آمنوا بها، لا فرق بين أسود وأبيض، يقول الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللََّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].
والمسلمون مسئولون عن إنقاذ البشرية جميعها، حتى لو تأججت الأحقاد والعنصريات في صدور أعدائنا؛ فالمسلمون لم يبعثهم الله ليواجهوا حقدًا بحقد.
ولا عنصرية بعنصرية؛ بل عليهم أن يحافظوا على راية الحب والتسامح مع الإنسانية، وألاَّ يخضعوا لاستفزازات أعدائهم التي يرمون من خلالها إلى زحزحتهم عن مبادئهم.
ولعله من أكبر آيات التسامح الإسلامي والشعور بالمسئولية الإنسانية أن العلماء والدعاة المسلمين عندما يعرضون لقضايا الخلل الإنساني لا يصدرون عن شعور عنصري يحصر علاجهم في المحيط الإسلامي أو القومي، بل يعملون على حلِّ مشكلات حضارات العصر الحديث كلها، دون أن يحصروا حل المشكلات في الدائرة الإسلامية أو التركية أو العربية وحدها.
إنما يعرضونها ليحلوا بها مشكلات الحضارة المادية الحديثة كلها.. تلك الحضارة التي جسدها (العقل) في إطار (المادة) و(المنفعة والنسبي).
وأصبحت عاجزة عن إدراك الكمال والجمال في الروح والمطلق والغيب وضرورة الإيمان بالكينونة الإنسانية، والعمل المشترك على استمرار التحضر الإنساني العام، الذي يضم المسلمين وغير المسلمين.
ولقد أدرك المسلمون أن هناك خللًا وقع في المسيرة الإنسانية؛ نتيجة التحيز للمادة على حساب الروح أو العكس.
- ولقد أصاب هذا العجز الحضارة الإنسانية بالشلل النصفي؛ لأن الروح أو الغيب المطلق لا ينفصل عن العقل والمادة والنسبي..
ولأن (المطلق) هو (المعيار) الأساس للحق، ورفض التعامل معه، يعني رفض السير في طريق الحق، تحت ضغط الإيمان المشلول بالمادة والنسبي.
وهو الأمر المؤدي إلى عبادة الإنسان لنفسه، بديلًا عن عبادة الله الذي يؤمن المسلمون بأنه وضع للكون والإنسان نظامًا من خلال الوحي والأنبياء، وهو نظام متطابق مع فطرة الإنسان.
لقد كان الإسلام -لأنه دين الفطرة والحق- حافزًا على تشكيل كيان متميز لم تستطع تقلبات الزمن والاحتكاك بالحضارات المختلفة أن تفتَّ في عضده على مر العصور..
فإن كل شيء في الإسلام يشكل وحدة، ويعبر في الوقت نفسه عن وحدة؛ ففروض العبادة تعبر بطريقة ظاهرة، بل بطريقة مادية عن التماسك والالتحام.
فالمسلمون يسجدون في صلواتهم خمس مرات يوميًّا في ساعات متماثلة تقريبًا، وفي اتجاه واحد نحو مكة.
- وتعبر النية الدينية المصاحبة للعبادات لكل شعيرة عن وحدة الإنسان روحيًّا وماديًّا.
- ويسهم الإيمان أيضًا كما تسهم الشعائر في تضامن الجماعة الإسلامية وتجانسها، وتدفعها جميعًا نحو تحقيق عالميتها.
- إن جماعة المؤمنين -وقد قامت على الدين- نجحت في الصمود أمام التفكك السياسي، كما أن الروابط الدينية التي تسمو فوق الروابط القانونية والمادية تستطيع قيادة المجتمع المسلم إلى النجاة والفوز في السباق الحضاري.
الكاتب: د. عبد الحليم عويس
المصدر: جريدة الوسط الإلكترونية